السبت، 23 ديسمبر 2017

شجرة اللوز .. قصة قصيرة بقلم الأديبة إيمان فارس

ما زلتُ أذكرُ يا أمي يوم تخرجتُ من الثانوية العامه وحصلتُ على معدلٍ تفوقت به على أبناء الحي، كان كافياً لتتشدقي به لمدة عامٍ كامل أمام نسوة الحي.
يومها قلتِ لي: راح علمكِ بأحسن بلد عربي ... وحدثَ لك ما شئت وحصلت على منحه.
وجاء اليوم الموعود ... وبدأنا بتجهيز حقيبة السفر .. التي ثَقُل حملها من كثرة ما أودعتي بها من أمنيات وأحلام ممزقة، وعثرات سنين عمرك كلها، وأيامٍ خلت من الفرحه توشحت بآهاتٍ وأسى وددت التخلص منها ... وأحكمتِ غلقها و حزمتيها بعشرِ وصايا (أريد أن أتباهى بك، أنت رايحه تدرسي، بدي شهادة ترفع الراس، لا ضيعي منك الوقت... ولا تنسي أنك لست كباقي البنات انت إبنتي أنا).
وسافرتُ يا أمي لا أرى إلآ وجهك ولا أسمع إلآ صدى صوتك ... وعقلي يحفظ الوصايا العشر عن ظهر قلب.
لكن قلبي يا أمي أبى إلآ أن يكون قلباً خافقاً نابضاً كباقي قلوب البنات ...
ودون إرادةٍ مني يا أمي سلبَ مني الروح  واستحكم الفؤاد ... شَربتُ معه قهوة الصباح ، تعطرتُ بعبير أنفاسه.. أزهِرْ اللوز بقلبي يا أمي كلما رأيته...
وبيدي أنا بيدي، حفرتُ قلبي على جذع شجرة، وثقبته بسهمٍ ونقشت اسمي عليه ...  وألبسني قلادة قلبه ، كان قلباً صغيراً بحجمه رأيته بوسعِ جنان الأرض جميعاً.
أنهيت دراستي بأسرع وقت مثلما طلبت، وعدتُ إليك أحمل بيدي شهادة .... تلقفتيها مني بسرعة البرق دون النظرَ الىَّ أو حتى السلام.
دُرتِ المنزل عشر مراتٍ ذهاباً وإياباً بحثاً عن مكانٍ مناسب لتعليق الشهادة يضمن رؤية كل من دخل البيت لها ... وبعد معاناةٍ ليست بقصيره، استقر رأيك على غصن شجرة الليمون في منتصف البيت وأمام باب المنزل...
آآآه يا أمي لو تعلمين ماذا فعلت بي؟.. علقت شهادتي على غصن شجرة ليمون ... وتركت أنا قلبي محفوراً على جذع شجرة لوز.
✍ ايمان فارس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق